ملتقى بلدة مهين

كتاب مهين كما رأيتها

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مشكلات مجتمعية

  تختلف المجتمعات في أمراضها المزمنة أو الطارئة وذلك باختلاف الأسباب التي تخلق هذه الأمراض والمشكلات المجتمعية، وتتغير هذه المشكلات والأمراض عبر التاريخ، فتنشأ وتتطور أو تزول وفقاً للتأثيرات الخارجية والقوانين الحاكمة للدولة أو التأثيرات الداخلية الناتجة عن تطور بنية المجتمع العددية والتعليمية والدينية.


   قبل سبعينات القرن الماضي لم تكن هناك مشكلات مجتمعية معقدة، حيث كان عدد السكان بضعة آلاف نسمة، ونسبة قليلة من المتعلمين، ولا تأثيرات خارجية مهمة، فطغت على حياة الناس الكثير من البساطة والإلفة والتعاون والكرم، فلا يجد الضيف القادم إلى البلدة مشكلة في عدم وجود الفنادق أو المطاعم، فكان يُستقبل من قبل أول شخص يتصادف معه من القرية، فيرحب به ويطعمه ويسقيه ويساعده في وجهته التي حضر من أجلها إن لم تكن هناك مشكلة في نوايا الضيف. وكانت علاقات الناس تقوم على الثقة والمسامحة والتعاون، فتجدهم يتعاونون (فزعة) في الحصاد والرجاد وعزق أرض الكروم وجمع الحطب وتجديد طينة الجدران وأسقف البيوت وفي الأفراح والأتراح. ولا يقتصر ذلك على الرجال بل النساء أيضاً.




   إنّ موقع مهين في هذه المنطقة الصحراوية جعل انتاج الأرض من القمح والشعير لا يكفي مؤونة العام، وقد لا يمر هذا العام إلا كل بضع سنوات حتى ينتج هذا القليل. ومن ناحية أخرى فإن العنب والتين والزيتون وغيرها من الخضروات الموسمية القائمة على السقي قد تكون مفيدة لأصحابها في مواسمها لا غير، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمصادر للرزق، من هنا كانت الأعباء تزيد على الأسر شيئاً فشيئاً. وحيث أنه لا وجود لمعامل أو مصانع في المنطقة إذا استثنينا بعض الأفراد الذين تمكنوا من الحصول على وظيفة في خنيفيس (بالفوسفات) التي تبعد بالسيارة مقدار ساعة ونصف شرقاً فكان الخيار لعامة الشباب هو السفر إلى دولة الكويت طلباً للعمل، 


وقد ترتب على هذا إهمال طلب العلم، حيث أن مصاريفه غير متوفرة للكثيرين ونتيجته بعد التخرج لا تقارن بنتائج العمل في دول الخليج الذي لا يحتاج تلك السنوات المطلوبة في التعلم. فغياب الأب وعدم المتابعة على صعيد التعلم والدراسة كان له تأثير بالغ في أعداد طلاب العلم ونوعية تحصيلهم المرجوة،  فأعداد العاطلين عن العمل أكثر بكثير من أولئك الذين يطلبون العلم، وهذا ما يدفع الأهالي للبحث عن أعمال تشغل أبناءهم وتسد حاجاتهم وتقلل من المشاكل الناتجة عن فراغهم،  فمنهم من يعمل أي عمل في بلدة صدد وآخرون في معمل طيبة للحلويات في النبك والبعض يختار الذهاب إلى لبنان للبحث عن عمل. 


وبعد مدة من العمل وقد وجد الشباب المال بين أيديهم كان بعضهم يتزوج أو يبني غرفة أو بيتاً أو يشتري دراجة نارية بعد أن توفرت في فترة التسعينات. ومن سلبيات هذا العمل الذي يعتمد الأجر اليومي في أغلبه هو عدم احتراف مهنة معينة ليعمل مستقلاً في المستقبل، بالإضافة إلى عادة التدخين التي يكون قد اكتسبها الكثيرون منذ الصغر، هذا إن لم يجد من يردعه عن المشروبات المحرمة أثناء عمله في صدد ولبنان.


   وفي استطلاع للرأي عن المشكلات التي تعاني منها البلدة فقد رأى أحدهم أن المجتمع مازال يعتمد الحلول الجاهلية في تعاطيه مع المشكلات رغم أنه مجتمع مسلم، فالنصر للظالم رغم ظلمه وليس بإرجاعه إلى الحق، وهذا ما يفسر انجرار عشيرتين وراء مشكلة تحدث بين فردين منهما، ليصلا إلى عدم إمكانية إيجاد حل يذهب غيظ الطرفين بعد تعاظم المشكلة وتعقدها. ففي الثمانيات شهدْتّ كثيراً من المشكلات التي تلجأ فيها العشائر إلى الأيدي والحجر والعصا في صراعاتها، ومن الغريب أن هذه الصراعات كانت تكثر في يوم الجمعة أو في شهر رمضان، وفي إحدى الصراعات الأخيرة التي حدثت أثناء الثورة استخدم الطرفان المتنازعان الحجارة إلى درجة أن أرض ساحة العين رصفت بتلك الحجارة التي تراشقوها، ولكن بعد فترة لاحقة من توفر السلاح بين الصغير والكبير بات هذا السلاح يشكل خطراً كبيراً على إمكانية إيجاد حل بعد أن استخدم في صراع ناشئ بين عشيرتين كبيرتين في فترة النزوح الأخير.


   ومن وجهة نظر أخرى رأى أحدهم أن الحالة التي آلت إليها البلدة هي (الأقوى وليس الأنسب) وهذا ما عززه مدى القرب من السلطة أو وجود ما يشبه التحالف مع أفراد نافذين فيها من خلال الحزب وغيره من قطاعات الدولة، وليس قوة العشيرة بحد ذاتها، فالحزب هو أحد الدعائم المباشرة لإنتاج الحساسية والعنصرية بين الأفراد، والذي في مضمونه إلغاء الآخر حتى لو كان له نفس الانتماء، وبالتالي معاداة نجاحه والتقليل من شأنه وتصيد أخطائه لأنه يهدد الموقع الاجتماعي والإداري الذي أوصلهم إليه الحزب.


   ومن النتائج المترتبة على ذلك أيضاً هو افتقاد المجتمع إلى روح العمل الجماعي،  فلا يمكن أن توجد عملاً تتفق عليه معظم العشائر فالكل يجب أن تكون له الحظوة في الإدارة، لأن سوء الظن والحسد هما سيّدا الموقف، وهذا ما يترتب عليه الكثير من الجدل العقيم. أما القبعات فترفع لأصحاب الجيوب الممتلئة وهذه ليست مشكلتهم بالطبع، ولكنها مشكلة نظرة الآخرين إليهم. 

ويبدو أن هذا منذ القدم كما قال عروة بن الورد:


ذريني للغنى أسعى فإني                    رأيت الناس شرُّهـم الفقيـر

وأدناهـم وأهْوَنُهم عليهـم                          وإن أمسى له حسبٌ وخِيرٌ

يباعده القريبُ وتزدريه                        حليلته، ويقهـره الصغيـرُ

ويُلْقى ذو الغنى ولهُ جلالٌ                         يكــاد فـؤاد لاقيــهِ يطيـرُ

قليلٌ ذنبُهُ والذنبُ جمّ                           ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ




عن الكاتب

mohamed mustafa

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

ملتقى بلدة مهين