ملتقى بلدة مهين

كتاب مهين كما رأيتها

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

شجرة أم عياش

 

في الجهة الغربية من البلدة وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من ساحة العين تقريباً على حرف مجرى سيل يقطعه طريق ترابي للذاهبين والعائدين من جمع الحطب أو الصيد، كانت شجرة قديمة ضخمة نسبياً و وحيدة، يستظل بها الناس ويستريحون تحتها، ولكن نوعها الغريب عن البيئة (إجاص بري) وعدم وجود أي شجرة غيرها في برية مقفرة، جعل منها أسطورة يتناقلها الناس.

وفي فترة من قلة العلم وتفشي الفقر والجهل وتنامي الأحلام وابتعاد الأماني والتمسك بقشة لتحقيقها، علقوا على أغصانها آمالهم المتمثلة بخرقة من آثار ثيابهم لتلوح حيث تهب الريح، باعثة  البشرى بقرب ولادة صبي أو تقدم عريس أو شفاء مريض أو عودة مسافر.

(العودة يا أم عياش) هي العبارة التي تُوَدّع فيها هذه الشجرة من قبل الناس، إنهم لا يعبدونها طبعاً ولا يقدسونها، و لكنهم كانوا حذرين من أن تؤذى، فقد تكون روح إحدى الصالحات قد حلت بها، أو أن  لها كرامة ما لتعود بالنفع على من يجلها ويعلق آماله وأحلامه على أغصانها.

إنّ شجرة أم عياش المهينية ليست وحيدة في هذا العالم ففي وادي السرحان قرب العقبة بالأردن توجد شجرة أم عياش أخرى وكان الناس يطوفون حولها قديماً. يقول الحاج مرتضى علوان الذي وصل هناك في العام 1710 م" لقد طلبوا مني أن اطوف حولها مثلهم كي تقبل حجتي".

ومع أن هذه الشجرة كانت في آخر عمرها كما توحي أغصانها اليابسة، إلا أن أحد الشباب عاجلها بالحرق بعد أن سمع ما يمكن أن تكون بعض النساء قد أشركن بسببها.

إنّ إبداعات الناس كثيرة و تختلف من مجتمع إلى آخر فقد يجد بعض الأشخاص أن يحفر اسمه واسم محبوبه على ساق الشجرة، قناعة منه أن هذا الحب باق مادامت هذه الشجرة، ووجد آخرون في القفل الصغير وقفله على أحد الأسلاك في أحد الشوارع المشهورة تعبيراً عن عدم انفكاك علاقتهم وحبهم، وفي الواقع أن عادة التعليق على الأشجار في مجتمعاتنا العربية عادة اجتماعية موروثة عن العثمانيين ولاعلاقة لها باعتقاد ديني أبداً، ولكن الناس تنسى عبر التاريخ، وفي غفلة عن النظرة الواقعية، وأنّ لكل شيء قدر. ومع تنامي الأحلام وعدم تحققها، تتفتق ذهنية البشر عن علاقة الموروث الاجتماعي بالنفع والضرر، وخلق القصص والأساطير وكأنها حقيقة كفلق الصبح، حتى الرؤى قد تنسى أنها رؤى و تنقل على أنها حقائق.

كانت تحط رحال بعض الغجر (النور) قريباً خارج بيوت القرية، وكانت الغجرية تعرف كيف تستجدي سخاء الناس في استغلال حاجتهم لقراءة المستقبل وحسن الطالع فتقول: بيّض الفال، وهي تمد يدها، فتعطى الليرة الواحدة أو أكثر وتبدأ اسطوانتها في العمل، والتي تحفظها عن ظهر قلب، ويكاد لا يفهم منها إلا بعض كلمات بسبب لهجتها وسرعة حديثها، ولكن الغجرية لبقة على كل حال، وكأنها درست الطب النفسي في أرقى الجامعات، فلا تترك زبونها إلا وقد وثق منها وآمن بتحقق كل ما تقول من خلال اللعب بقواقع بحرية صغيرة بين يديها، تلقيها على التراب أمامها، وهي تبعد هذه وتقرب هذه ولسانها يرطن.

لقد كانت الغجرية تحرص على ملاقاة النساء والشباب لأنها أكثر قدرة على اللعب في عواطفهم، فهي تعرف الكثير عن أحلامهم وأهوائهم دون أن يبوحوا بها، وبالتالي يجودون عليها بدون عناء.

وكان بعض الغجر ممن يتقنون العمل في الأسنان يجدون لهم سوقاً جيداً في مثل هذه القرى النائية والتي لا يوجد فيها أي طبيب، فيحملون (عيادتهم السنية) في حقيبة على ظهورهم ويلفون الشوارع والأزقة بحثاً عن أحد يريد التخلص من ضرس يؤلمه، أو تلبيس سن بلباس ذهبي أو فضي ليزين مبسمه إذا تكلم.



عن الكاتب

mohamed mustafa

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

ملتقى بلدة مهين