ملتقى بلدة مهين

كتاب مهين كما رأيتها

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

الاعتقادات والشأن الديني

 

اتَّسم العصر العثماني بانتشار الطرق الصوفية، وسيطرتها على مناحي الحياة الدِّينية والرُّوحية والسِّياسية والاجتماعية، وقد شارك العثمانيون في بناء بعض الأضرحة والمزارات والقباب، كما شاركوا في الموالد والاحتفالات الصوفية على مستوى بعض المدن في سوريا وغيرها. فإذا أخذنا بعين الاعتبار تفشي الجهل الديني والتعليمي وخاصة في القرى فإنه من المؤكد أن يتقلد أناس من العامة شؤون الأمور الدينية والإفتاء بقدر ما تعلم من قراءة وكتابة في الكتاتيب،

وبقدر ما حفظ من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وبقدر ما سمع من شيوخ سبقوه، أو بما قرأه من كتب أو مخطوطات قُدّر لها أن تقع بين يديه وراثة أو بغيرها، ويكون على الأغلب قد تمكن من أداء فريضة الحج فيكون هو الإمام وخطيب الجمعة والمنشد، بل هو المتصدر لكل ما يتعلق بأمور الدين كافة في القرية.

لا نعرف تماماً متى بُني أول جامع في القرية، ولا الأئمة الذين تعاقبوا، ولكن ذُكر قبل الخمسينات  في القرن الماضي الشيخ ايتيّم الغزول الذي اهتم بتعاليم الدين، وكان يعلّم الأطفال القرآن الكريم، ويؤم الناس في الصلاة، ويعقد للزواج والبيوع، وكان ينظم السقاية للناس حسب العدان على التوقيت العربي. وعُرف من المؤذنين حسن العقلة الحمود وعارف الرفاعي، ومن الذين عرفناهم في عصرنا من المؤذنين عبد الجليل العمار وشيمان عبد الرحيم وسعيد العبدالله الشحود وقاسم العزالدين وعلي الضيف الله الغوش و عبدو الطليقي المنصور، ثم حسين العنيزان العزالدين، وكان يخطب الجمعة عبدالجليل عمار والشيخ عبدالصمد القصاب في جامع ساحة العين، ومن ثم انتقلت الإمامة والخطابة للشيخ شاكر منصور وهو طالب علم.

أما الشيخ عبد الصمد القصاب فهو من ديرعطية قدم إلى مهين بصحبة حجار الضعيف منذ العام 1956 م، وقد كان عابداً زاهداً تتلمذ على يدي عمه الشيخ المعروف في القلمون عبدالقادر القصاب، وقد استقر في مهين حيث انتقل في سكنه إلى بيت بدر حجازي صهر حجار الضعيف، وأمضى حياته خطيباً للجمعة في جامع مهين القديم ثم الجامع الكبير في الساحة العامة. وكان لدى الشيخ مكتبة متواضعة، أغلبها من الكتب القديمة وتحوي الغث والسمين. ولم يتعلم الشيخ العلم الشرعي الذي يساعده في البحث والتخريج والتثبت من المعلومات التي كان يقدمها للناس، وكان يمضي وقته بقراءة القرآن والذكر والصلاة. ولا أعتقد أنه كان يتبع أي طريقة من الطرق الصوفية المشهورة. وقد حصل على ثقة الناس فكان يلجأ إليه البعض وخاصة النساء، لكتابة (حجاب) لحل مشكلة ألمّت بهن أو لفتاة لم توفق لعريس أو لفك إصابة عين وغير ذلك، فكان الشيخ يفتح لها أي كتاب يكون قريباً منه ويغلقه بعد أن تقع عينه على بعض الأسطر وكأنه يفكر ماذا سيكتب، ثم يكتب بعضاً من آيات القرآن الكريم وبعض الأدعية على ورقة ويلفها كحجاب. وأعتقد أن الشيخ لم يكن يقصد من وراء ذلك الغش أو الخداع، فلم يكن لديه كتباً سرية كالتي يقتنيها أهل السحر والشعوذة، فكان يسأل عن المشكلة ثم يحاول أن يكتب الآيات والأدعية المناسبة، وكان يرضى بالقليل فلا يطلب أجراً معيناً، وكان لا يدخر شيئاً من المال، فيصرفه جميعاً في الأكل أو السفر إن احتاج إليه.


الشيخ عبد الصمد القصاب

 وكان يُدعى الشيخ إلى إقامة الموالد في بعض المناسبات كالمواليد أو الأضاحي وبعض حفلات الزواج و الختان وهي جلسات معروفة للذكر ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام.

وذكر لي الشيخ بأنه تزوج في شبابه عندما كان في ديرعطية ولكنه لم يوفق في زواجه بسبب ضعفه وعدم القدرة فتركته ولم يتزوج بعدها أبداً، فنذر نفسه لخدمة الدين. وقد تجاوز التسعين من عمره حيث بات ينسى إن كان قد صلى الفريضة أم لا، بعد تفاقم مرض الشيخوخة في أيامه الأخيرة، فنقله أولاد أخيه إلى ديرعطية، وتوفي ودفن فيها رحمه الله تعالى. وأما مكتبته فقد جمعها أولاد أخيه ونقلوها إلى دير عطية أيضاً ولم يتركوا منها كتاباً واحداً.

وفي البحث في فترة زمنية سابقة عرفتْ مهين بعض الأشخاص الذين كانوا يتّبعون إحدى الطرق الصوفية، ويقومون بضرب الشيش والضرب على الدف، ولهم رايات خضراء، وكان البعض منهم يصل إلى فقدان السيطرة على نفسه، بل يفقد الوعي أثناء ممارستهم لأذكارهم الدينية الخاصة والتي كانت تتم في ليلة الجمعة، وتُعرف هذه الحالة بالشيخة أي أنه شاخ، ويقال بأنّ الشيخ يستطيع أن ينقل الشيخة لمن أراد عن طريق لعابه فيشربه الشخص مع الماء فيصبح على حالة شيخه. وقد كان لهؤلاء قدسية معينة عند أبنائهم وأحفادهم، فكانوا يحلفون بهم(وحياة أبي وحياة جدي وهكذا ) وأعتقد أن هذا الحلف انتقل بالتقليد إلى كثير من الأولاد وخاصة عندما كانوا يلعبون مع أقرانهم.

وبالنسبة لأعمال ضرب الشيش وغيرها من أفعال الصوفية فلم يرثها أحد من الأبناء فقد انقرضت بوفاة أصحابها، ولكن تمكن بعض الأشخاص من الاستفادة من هذا الإرث وقدم نفسه بقدرته على فك السحر والمربوط وكتابة الحجب للحماية من الأمراض التي تسببها الأرواح الشريرة و(التابعة).

يظن الناس عادة وخاصة النساء في حالة كثير من الأمراض وعدم وجود أطباء في مثل هذه المناطق النائية والفقيرة وفي ظل تفشي الجهل، أنّ الحل يأتي بزيارة الشيخ فلان الذي اشتهر بيده المبروكة، ويعللون ذلك بأنّ كثيراً من الذين لجأوا إليه تم شفاؤهم، وهذا الشيخ وريث أجداده الذين كانوا من أولياء الله. وهكذا تصل الشهرة إلى القاصي والداني، وتروى كرامات وخوارق لا تصح لأي أحد إلا إذا كان شديد التقى. وفي النساء كانت هناك من ورثت عن أجدادها هذا الدور. وأما عن كيفية العمل في علاج المريض فيكون بأخذ أثره المتمثل بشيء من لباسه ومن ثم القراءة عليه ليلاً وهو ما يسمى بالتبييت، وبعدها يخضع المريض لجلسات القراءة في أوقات مناسبة، وقد ظهر ما يتوجب القراءة به بعد معرفة العلة، والتي تكون عادة إصابة بالعين أو(تابعة) وغير ذلك من المصطلحات المستخدمة.

لم تقتصر هذه القضايا على المتصوفة أو الوراثة، ولكن هناك من المحفزات التي أغرت البعض على اختلاف تعليمهم و ثقافتهم –على قلتهم- في دخول عالم الرموز والطلاسم الذي يكشف سر هؤلاء الشيوخ المتوارثين وذلك بالحصول على كتاب شمس المعارف أو بعضاً من كتيبات الطوخي ويتحقق لهم بذلك عدة أمور: سرعة كسب المال، والوصول إلى عالم النساء وأسراره بسهولة ويسر، والبحث عن الكنوز التي يُعتقد أنها لم تكتشف بعد في هذه المنطقة الأثرية، وتحصين الذات بقوة خفية يستشعرها الآخرون دون بذل أي جهد.

ومن القضايا الاجتماعية التي قد تحتاج الاستعانة بالطلاسم هي تسهيل الموافقة وعدم الاعتراض على زواج فتاة من شخص ما، أو فك المربوط، وإزالة السحر المؤثر عليه، أو استدعاء الحب لزوجين بعد أن تم طرده من أم الزوج أو من امرأة أخرى.

وأما القبور فمنها من اندثرت حجارته ومنها من بني عليه بالإسمنت أو تم الاكتفاء بلوحة رخامية كتب اسمه عليها، ولا يوجد سوى غرفة بنيت فوق بعض المقابر التي تمت تغطيتها بقماش أخضر، وقد يكون هناك اعتقاد ما، يجعل بعض النساء قديماً يأخذن مقدار شريطة من قماش أخضر ويربطنها في شعورهن.

وفي الطريق المحاذي للمقبرة الشرقية القديمة كانت توجد قبة صغيرة على أحد المقابر يقال أنها للشيخ ساحون، ولا أحد يعلم من هو هذا الشيخ ولا من أين جاء، وقد تمت إزالتها (بمهابة) مع عدد كبير من القبور القديمة جداً من أجل بناء مبنى البلدية ومبنى الهاتف.

ومن المقامات التي اندثرت مقام البدوي في ساحة الدقعة، والذي كان بيتاً خرباً لا سقف له ولا أعرف إن كان فيه قبر أم لا، ولا أحد يملك أي معلومة بخصوصه، وتمت إزالته تماماً فلم يبق له أثر. وكان البعض يضع في مقام البدوي أو في محراب ما كان يعتقد أنه للجامع العمري المندثر الخبز والطعام كصدقة أو وفاءً لنذر، بالإضافة إلى مصباح كاز ليلاً.

  إن إصلاح المفاهيم والعقائد والعادات المتعلقة بها لا يتم إلا بالعمل الجاد من قبل العلماء وطلاب العلم، وهذا ما كان من عمل الأستاذ ابراهيم منصور، والأستاذ علي شحود، ومن ثم الشيخ محمد وفا منصور، والشيخ عبدالحسيب منصور, وطلاب علم آخرين درسوا في كلية الشريعة، وهم من تلاميذ الشيوخ السابقين، فلم يتركوا مناسبة لاجتماع الناس في الأفراح أو الأتراح، أو في يوم الجمعة، إلا وذكّروا الناس بالحلال والحرام بما ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة في العبادات والمعاملات والعقيدة، ودعوهم لنبذ العادات الاجتماعية السيئة التي نسبت إلى الدين، أو ما ابتدع فيه، فتخلى الناس عن كثير من العادات والبدع.

عن الكاتب

mohamed mustafa

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

ملتقى بلدة مهين