استمر الهدوء على هذا النحو مدة عام ونصف تقريباً حيث استعاد الأهالي
معظم حياتهم الطبيعية السابقة فأصلحوا البيوت وفتحوا المحلات وزرعوا الخضار
الموسمية وعادت مؤسسات الكهرباء والماء والهاتف للعمل وانتظمت المدارس في دوامها
وعادت باصات حمص والنبك للسفر من جديد. وقد كان هناك ما يشبه الهدنة بين الجيش
الحر وعناصر جيش النظام الذين لم يعودوا يدخلون البلدة إلا في النهار لقضاء
حاجاتهم، فأخبار العدو المشترك داعش تسيطر على تفكير الجميع بعد دخوله مدينة تدمر،
ولكن هروب عناصر جيش النظام أو مقتلهم في تدمر جعل عساكره المتواجدين في الحواجز
المقامة بين مهين وحوارين والقريتين منهارين نفسياً ويتصرفون مع الناس بمودة وينطبق
عليهم الوصف السابق (كلاب أليفة)، أما الأهالي فكانت فرحتهم وشماتتهم لا توصف بما
يحصل لجيش النظام من هزائم وذل وتقتيل في تدمر وفي غيرها لما عانوه من ظلم وإجرام
بسبب المستودعات.
لقد كان هناك نقاش وجدل بين المتعلمين عن فكر داعش
وأهدافها، فقلة قليلة جداً رأت فيها خلاصاً من حكم البعث المجرم، أما الأغلبية
فكانت ترى أن النظام وداعش نظامان شموليان لا يختلفان عن بعضهما فكلاهما مجرم،
أحدهما يقتل بالتخوين (من الخيانة) والثاني يقتل بالتكفير والردة.
في أوائل آب العام 2015 م سيطرت داعش على مدينة
القريتين وتشتت أهلها بين مهين وحمص ودمشق ومناطق أخرى، وأصبحت مهين بين فكي
كماشة، النظام وداعش.
أيام عصيبة تمر، وقلق الناس يزداد يوماً بعد يوم وهم
يتساءلون: هل ستدخل داعش إلى بلدة مهين أيضاً أم ستغير طريقها؟ ومع أن الجواب
المنطقي (نعم سيدخلون) ولكنهم يفضلون القول: لا لن تدخل، ليتساءلوا ثانية وأين
سيذهب هؤلاء الناس، أما يكفيهم ما ذاقوه من ويلات، إنّ جرحهم لم يندمل بعد! حالة
من الترقب، وكثير من الشائعات والاتهامات، وفوضى في التفكير، هذا ما آلت إليه حياة
الناس، فقد غادر البلدة عدد من العائلات التي انضم أحد أبنائها إلى داعش فكان هذا
دليلاً للبعض على أن داعش قادمة إلى مهين لا محالة، ولكن يأتي آخر ليقول أنه نُقل
عن فصائل الحر المحلية أن داعش لن تدخل ويوجد اتفاق، وهكذا، وفي غمرة هذه الأحداث
خرجت بعض العائلات تاركة وراءها كل شيء لأن الأسوأ قادم.
في بداية شهر تشرين الثاني من العام 2015 م دخل الدواعش
إلى بلدة مهين ليلاً وكانت ليلة سوداء على الناس وهي أشد وطأ مما لاقوه عند دخول
النظام أول مرة لإخراج الجيش الحر. لا يمكن وصف ما حدث، فأي كتابة تبقى عاجزة عن
وصف الهلع الذي أصاب الناس.
كان النزوح إلى المناطق الشرقية الواسعة التي سيطرت
عليها داعش، فخرج الناس إلى القريتين ومن ثم إلى خنيفيس والشرقية وتدمر والسخنة،
ثم إلى الطبقة والرقة وغيرها، ولم يكن الوضع آمناً في الطريق فالطائرات تلاحق
الناس أينما حلوا وارتحلوا، فكانت مجزرة مروعة عند فرن القريتين، وقد استشهد على
أثرها عدد كبير من الناس ومنهم عدد من أهالي مهين.
كان نزوحاً إلى المجهول فلا أحد يدري أين وجهته،
وبالتالي تيسر للبعض أن يستقر في منطقة الرقة والبعض استقر في منطقة الباب وآخرون
في الدانا وفي عدة مناطق أخرى من ادلب وحلب، أما من اتجه جنوباً فمنهم من تمكن من
دخول الأردن وآخرون مكثوا على الحدود في مخيم الركبان وكانت بعض العائلات قد حزمت
أمرها ودخلت إلى تركيا منذ البداية وتبعها كثيرون آخرون.
نتائج
الثورة والحرب
كثير من النتائج التي ترتبت على الثورة والحرب المضادة التي شنها
نظام الأسد وكثير من الدول كروسيا وإيران وكل ميليشيا الشيعة في العراق ولبنان
وأفغانستان بالإضافة لداعش، وهذه النتائج تتشابه بمجملها مع النتائج التي طالت
الشعب السوري ككل ومنها:
1. استشهاد عدد كبير من الشباب وتغييب
آخرون في السجون.
2. خراب البيوت والأموال والأملاك
والأعمال وفقدان كثير من الموظفين لوظائفهم.
3. العيش في مخيمات لا تقي من برد أو
حر والاعتماد على مساعدات الجمعيات الخيرية وبعض الدول المانحة.
4. بات الحلم هو الحصول على أدنى
مقومات الحياة دون التعرض للإرهاب أو المرض.
5. تفرق العائلات والأسر بين دول
العالم.
6. فقدان كثير من الطلاب لدراستهم
الجامعية وكذلك في المراحل الانتقالية الأخرى.
7. حرمان المواليد الجدد في دول المهجر
من الجنسية السورية.
8. تعلم المواليد في دول المهجر ₋الأجنبية
منها₋ الحديث بالعربية العامية وحرمانهم من تعلم اللغة العربية في المدارس
والاقتصار على تعلم لغة الدولة المضيفة حسب سياسة الدمج.
9. تعرض اللاجئين وذوي الحماية المؤقتة
في كثير من دول المهجر إلى معاملة عنصرية وتنمر وهضم للحقوق.
10. العمل الطويل ويصل إلى اثنتي عشرة ساعة مقابل أجر لا
يصل إلى الحد الأدنى للأجور المتعارف عليه بالحد الأصغري للمواطنين.